الخميس، 20 يناير 2011

أنا راحلة

أنا راحلة ، راحلة عنك إلى دنيا ملؤها الهدوء والحب والحلم والعطاء الخصب، والصمت المثمر. إني امرأة تتطلع إلى لغة مشاعر لا لغة عضلات وأرقام، وأنت أيها الرقم الذي أحببت! أرفض اليوم أن أحبك أكثر ، لأني كرهت الحسابات، فاقتن إن شئت ((كمبيوتر)) عوضا عني واتركني لدنيا تقاس بسمو المشاعر وعمر يقاس بعمق الحب والقدرة على الإخلاص والعطاء ،وأيام تقاس بعدد الكلمات الطيبة التي نتلفظ بها، وعدد الأزهار التي نغرسها ،وعدد التي نلتقطها من شواطئ الفرح ونزين بها واحات القلب.

أنا راحلة، فلقد قررت أن أمنح قلبي إجازة مفتوحة بلا عواطف، ولكم تبدو القرارات صعبة حين تكون الرحلة قد بدأت فعلا! كم يبدو التوقف عند محطات العمر مؤلما ومتعبا ومملا، كانتظار قطار لا يأتي أبدا.. القرار!
هذا الاختيار الصعب، بحر من الفواصل والنقاط، أمواج من الكلمات المتلاطمة، الصاخبة تمر أمامي كشريط سريع، وتهدر الحقيقة في صدري : حبنا ، لقيط !
لا أستطيع إنكاره ولكني أخجل من الاعتراف به !! فحين يبرد القلب، تتجمد كل المشاعر الحلوة ويصبح الصدر قطبا جنوبيا أخر، وتهدر من شرخ العذاب كل الأشياء الجميلة ،وتموت الأمنيات كحمائم داهمتها العاصفة. هكذا كان الفراق، فراقًا مسرحيًا. لم تمنح لي فرصة أن نتصافح، أن نتراجع، أن نلتقط من أنفاس جنوننا نفسا عاقلا يحفظنا من التمزق. فأنت متفرج كحجارة بركانية.
أنت مدمر ،مدمر ،تدمر كل شيء لا يكون على مقاسك وحجمك. تريد من المرأة أن تتحرك في حيز جسمك وتتنفس برئتيك وتتقوقع وتنبطح وتربض كقطة تعيسة عند ركبتيك! تلقي بها متى تشاء، وتلتقطها متى تشاء!

سأرحل عنك فلن أسمح لتجربة فاشلة أن تفسد أحلامي ،ولا أن تطعن خفقة القلب بين ضلوعي. لن أسمح أن تقدم أحلامي استقالتها إلى مشاعري، ولا أن يتحول الحنان في صدري إلى جرح. لن أعيش مشروخة القلب كمزهرية من الكريستال فقد ثمنها، بل سأنهض من رمادي كطائر الفينيق، سأنفض غباري وأمزق أكفاني ،وأخرج للحياة نقية وعارية من الماضي. فبعدك لن يتغير شيء، ولن يتوقف شيء سوف تظل الشمس تشرق كل يوم من نفس المكان، بنفس الضياء والتوهج والحرارة. وستكمل الأرض دورتها السرمدية، والبحار هديرها، والنجمات لمعانها ،وسيظل القمر قمرًا يرسل نوره الأبيض البارد كخيوط من الثلج ،نواميس العالم لن تتغير، وموازينه لن تختل وقيمه لن تنقلب. فأنت لم تعد لي ذلك المغناطيس العظيم الذي أنجذب نحوه، ذلك القطب الثالث الذي يستهويني، لم تعد تلك اللؤلؤة الثمينة التي أغلقت عليها محارة قلبي سنينا وارتعشت خوفا عليها سنينا وحلمت... حلمت..

أيها الرجل الذي كنت يوما حبيبي شكرًا لأنك لم تترك لي فرصة إقامة مراسم دفن رسمية لذكرياتنا. شكرًا لأنك ارتكبت أجمل حماقة فلم تودعني شكرًا لك فهكذا فقط يمكن لي أن أنساك وأتجاوز...


بقلم: رجاء بن حليمة
مقطع من قصيدة: من مذكرات امرأة مطلقة
كتاب: المـــرايا

مقاطع مختارة من
رقية النبهاني


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق